بوابة الأشرف

أستغفر الله العظيم والحمد لله رب العالمين الرزاااااااق الغنى الكريم <<<<< كل عام وأنتم بخير بمناسبة قدوم شهر رمضاااااااان المبارك <<<<< جارى التجهيز لكل ما يتعلق بالعام الدراااااااسى الجديد 2024-2025



العودة   بوابة الأشرف > منتديات الأقسام العامه > إبداعات بأقلام كتابنا

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
قديم 07-23-2016, 10:23 AM
  #1
 الصورة الرمزية الفارس الأشرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: مصر-القاهره
العمر: 36
المشاركات: 164,121
29 يستشرف المستقبل بقراءة فى التاريخ ستون سنه 2016 مقاله بقلم مصطفى حجازى

يستشرف المستقبل بقراءة فى التاريخ ستون سنه
2016
مقاله بقلم مصطفى حجازى

يقال إنه لا نستطيع أن نُبصِر من المستقبل إلا بقدر ما نُبِصر من التاريخ.. وإن أبعد ما يمكن أن نَقرأه فى ذلك المستقبل هو بعمقِ وبُعدِ ما نقرؤه فى التاريخ.. وليس ما نَقرؤه عنه..!

وإبصار التاريخ غير سرد الماضى.. فالتاريخ هو فلسفة الماضى والحاضر.. هو الحكمة المستقاة من أحداث جرت وتجرى.. وسببيتها.. وليس الأحداث ذاتها وتسلسل حدوثها..!


ويجىء هذا المقال حلقة فى سلسلة محاولة استشراف لمستقبلنا..


محاولة تقرأ فى التاريخ ولا تسرد ماضياً..!


لا أرى حدثاً مفصلياً أولى بالقراءة والتأمل فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر ـ فى المائة سنة الأخيرة على الأقل ـ من حدث حركة الضباط الأحرار والتى أفضت إلى ثورة يوليو ١٩٥٢..!


ولم لا ونحن لم نزل نحيا تبعاته حتى يومنا هذا والأهم أنه يلقى بظلاله على قادم أيامنا.. فهو ـ وبغير تزيد ـ الحدث المنشئ لتغييرات عميقة وجذرية لم تطل شكل المجتمع ونظام الحكم وفقط.. ولكن طالت نخاع الإنسانية لدى المصريين سلباً قبل إيجاباً.. وأراها قادرة على تفسير بعض مما يجرى وسيجرى فى مصر مجتمعاً ووطناً ودولة..!



ـ ١ـ الأصل..


«استأثر عثمان فأساء الأثَرة.. وجزعتم فأسأتم الجزع».. هكذا وصف علىٌّ بن أبى طالب الفتنة الكبرى التى حدثت على عهد عثمان والتى أفضت إلى مقتله وإلى فتنة مازال سيفها فى قلب العالم.. ولن أقول فى قلب المسلمين وحدهم حتى يومنا هذا..!


قالها علٌّ واصفاً استئثار عثمان ـ رضى الله عنه ـ بالسلطة.. وهو ما رأه علىٌّ إساءة أثَرَة واستبدادا.. وقالها واصفاً رفض الناسِ سلوك عثمان ـ وانتفاضهم ضده وجزعهم مما عَدُّوه ظلماً وكان بعضه ظلماً..!
كان الناس بين مُفرِّط فى حق الاحتساب على الحاكم.. وبين مُفرِط فى حنقه.. مطلق لغضبه العنان دون إدراك العواقب.. ولكنْ كلاهما ـ وكما قال علىُّ ـ أساء الجزع.. من أفرطوا حتى قتلوا عثمان.. ومن فرطوا حتى أفسدوا حكمه..!


و ليس من وصفِ يستقيم فى تاريخ مصرـ فى المائة سنة الأخيرة على الأقل ـ أدق من كون حُلمها وقدَرها تائهين.. بين «مُستأثرٍ يسىء الأثرة».. غِلظة أو استبداداً.. وبين «جازعٍ يسىء الجزع».. تفريطاً أو إفراطاً..!



ـ٢ـ البداية..


على الرغم من أن حركة الضباط الأحرار كانت فى عام ١٩٥٢.. إلا أن السنين من ١٩٥٢ إلى ١٩٥٦ لم تكن سنين الثورة.. حتى وإن نُعِتت باسمها وأتت ببعض من تغييرات صادمة وجذرية على صفحة النظام السياسى والاجتماعى.. ولكن هوية ما آل إليه مشروعها.. أو بالأحرى حيدتها عن مشروعها الحقيقى لم تكن قد نضجت بعد..!


كانت سنين عذرية ثورية.. وسنين عموم حلم العدل وشيوعه على المصريين.. قبل أن يُحتَكر أو يُصادر أو يُتنازل عنه.. كانت سنين فُتوة ذلك الحلم وصِدقه وإقبال الناس عليه.. سنين استشراف الطوباوية وتمنيها والتصديق فى ادعائها فى كل وقت..!


كما كانت سنين غواية شيطان السلطة والقرب من خمرها وشهوتها.. واليقين بقرب الغنيمة لكل من حَلموا بها مهما هيأت لهم نفوسهم من سُمُوِ أسباب السعى وراء السلطة واستحقاقها..!


هكذا كان هناك الإخوان المسلمون.. وكانت بقايا الأحزاب والقوى السياسية من قبل الثورة.. ويقيناً كان فى قلب صراع السلطة الضباط المسيسون (الضباط الأحرار).. بين مثالىِ ـ أقرب إلى المنطق ـ راغب فى إعادة الأمور إلى أصولها بأصولها.. لتكون حياة سياسية مدنية صالحة ومُصلحة.. وبين ثورى ـ أقرب إلى الفاشية ـ مؤمن بتوجب الديكتاتورية العسكرية لضمان الانضباط وعدم ضياع الجهد فى دهاليز جدل الساسة التقليديين..! كانت هناك أوزان متفاوتة للقوى.. ولكن صراعها لم يكن قد حُسِمَ بعد.. وليس قبل العام الفيصل.. ١٩٥٦!


كانت فلسفة السلطة فى مصر ما بعد الملكية تولد وتتشكل..!


بين مثالية وبراجماتية ورغبة استبداد جامحة.. نُقِشت مُدوَنةُ السلطة ـ غير المكتوبة أو المعلنة ـ فى مصر بعد الملكية.. على وجدان المجتمع ومؤسسات الدولة..!


كانت هناك سلطة «قانونية» ـ مُحاصَرَة ـ ممثلة فى محمد نجيب وحكومات ما قبل ٥٦.. وسلطة «أمر واقع» مُتغلِبة ونافذة ممثلة فى جمال وبعض قليل من رفاقه.. وسلطة «شرعية» ـ غافلة عن عِصمتها أو متنازلة عنها ـ ممثلة فى شعب أتم حلقات ثورته ـ منذ عرابى مروراً بثورة ١٩١٩ ـ بـ«الوكالة» هذه المرة ـ مُسلِماً القياد لحركة الضباط واثقاً فى استقامتها وصدق تمثيلها لحلمه..!


ولتبقى مصر حتى يومنا هذا فى تلك الثلاثية التعسة لقسمة السلطة.. بين «قانونية ومتغلبة وشرعية» حتى وبعد أن غاب سياق يوليو ١٩٥٢ الذى جعل من تلك الثلاثية التعسة استثناء مفروضاً.. جعلناه نحن وفى سياق ستين سنة أو يزيد قَدَراً سياسياً وخصوصية حكم تشقى به مصر..!


ستون عاماً تمر اليوم على ١٩٥٦.. تلك السنة المفصلية.. السنة التى دُشنت فيها محنة يوليو باسم مشروع يوليو.. والذى نحياه منذ حينها حتى وإن تغيرت أوجهه وأنماطه ومناط شرعيته..!


وبرغم تغييرات تبدو جذرية وطوباوية فى وجه المجتمع والدولة.. أتت فى مضمار السنين الأربع التى سبقت تلك السنة (١٩٥٢ـ ١٩٥٦).. ورغم أنها كانت سنين حبلى.. ببدايات صحيحة وتوجهات صحيحة تتدافع.. والتى كان من الممكن أن تُرَشِد حال الستين سنة وأن تجعل وطأتها أشد قسوة على مصر دولة وشعباً ومستقبلاً.. إلا أن تلك السنين الأربع لم تصمد لتحمى أصل الثورة وجوهر شرعيتها.. وما لبثت أن صارت سنى التوطئة وإنضاج الملامح وتثبيت الأركان.. لمشروع ومحنة الستين عاما..!


و لا أظن التوطئة لذلك المشروع جاءت بسوء نوايا ولا بتخطيط يرجو أذى.. بقدر ما كانت بتدافع الأحداث.. والأهم بطبيعة الأشخاص حكاماً ومحكومين.. وبخصوصية العالم وسيولته فى سياق الحرب الباردة.. وصراع الأيديولوجيا شرقاً وغرباً.. ولهذا كانت «الأثرة وسوء الأثرة.. والجزع وسوء الجزع» هما المفتاحين القادرين على حل كثير من مغاليق الأحداث.. والتى يرى أى منصف أنها بالمحصلة التاريخية ليست فى صالح مصر ولا شعبها ولا وطنها العربى ولا عالميها الإسلامى والأفريقى.. إلا باستثناءات نَدرت..!


جاءت خصوصية العام ١٩٥٦ لأنه عَنوَن تنازل جُلّ المصريين ـ طواعية واختياراً بل منطقاً ـ عن حق الحكم.. وعن مشروع «دولة المصريين» بحق والتى بدت تباشيرها وإن كانت هزيلة وغائمة فى أعقاب ثورة ١٩١٩..! وحين جاء وعد «دولة المصريين» قابلاً للتحقق فى ظل حركة الجيش فى عام ١٩٥٢ وهى حلقة فى سلسلة جهادهم.. تنازلوا عن ثمرة حلم الجهاد وقَبِلوا بمشروع سُلطةٍ مَركَزُهُ ومِحَوُرُه جمال عبد الناصر..!


مشروع استودع فيه المصريون حُلمهم ودولتهم فى حلم وسُلطة الفرد الملهم «ناصر»..!


كان منطق الأحداث يقول ولم لا.. فهو ـ أى «جمال» ـ إبن تلك اللحظة من التاريخ شأنه شأن نهرو وتيتو وبعض آخر من قادة التحرر الوطنى.. استطاع أن يعى طبيعتها وتفردها وقدر فرصتها ومن ثم انتمى إليها واستثمرها..!


فقبل أن ينتصف العام أظهر جمال أمارات زعامته فى تأميم قناة السويس فى تحد للعالم استنهض فى المصريين طاقة التحدى بعد ظِلِ خنوع دام قروناً.. واستفز فيهم حُلمَ التنمية المتسارع.. وكان قد سبقه بوعد العدل الأول متمثلاً فى توزيع الملكية الزراعية على الأجراء وبث روح الكبرياء فيهم.. كما كانت عناوين الصحف قبل الأغانى تقول.. إن العبيد صاروا سادة فى أرضهم..!


ثم ما لبث أن شُرعِنَ منطق التنازل الطوعى عن «حق الحكم وعن دولة الشعب» فى مقابل مشروع سلطة الحاكم.. حين برهن جمال عبد الناصر عن انتماء حُلمه لعصره.. وعن جديته فى النهوض بمصر.. وعُمِّدَت زعامتُه بانتصار سياسى فى حرب السويس ثم بقبول دولى لم يأت من فراغ.. ولكن أتى من قدرته على وضع مصر حتى وإن كانت «مصر مشروعه وحلم زعامته» فى موقعها المستحق.. لتقود فى عالمها..!


فكانت شرعية زعامته بقدر ما استطاع أن يوظف قدرات مصر التى تراكمت فى سنين تنوير سبقت.. وبقراءة واعية للتاريخ وللجيواستراتيجيا لتخلق زعامتها الواجبة والمستحقة..!


كان كل ذلك كفيلاً بأن يُعمى المغيبين عن حقوقهم أكثر.. ويُلجِم الواعين بخطورة مشروع الفرد المُلهم وكارثية الاستبداد مهما كان مستنيراً أو جاداً أو غير فاسد..!


لم يكن تنازلاً لفظيا بقدر ما كان تنازلاً بالتماهى فى مشروع سلطة الفرد.. ومباركة توجهاته.. وغض الطرف عن تجاوزاته بل إيجاد التبرير الكافى لها..
وقد كان من الحراك الفكرى فى المجتمع والارتباط بـ«مراجل الفكر» التى كانت تغلى فى العالم شرقه وغربه ما يكفى لإيجاد كتل متماوجة فى المجتمع تستنفد طاقاتها بالاصطدام ببعضها البعض.. وتستطيع أن ترى إسقاطاً لبعض من أفكارها فى مشروع جمال عبد الناصر.. فتنصُره ُ..!


فكأن المجتمع الذى ناضل مائة عامٍ من أجل حريته وعصمة حكم نفسه.. استنام واستبدل حُلمَ يوليو الأول بصيغة «الكفالة والوصاية»..!


المواطن هو رعية دولته.. فى كفالتها تعليماً وتوظيفاً وسكناً.. وتحت وصايتها عقلاً وحرية وحلماً..!
العقل والحرية والحلم هى خصوصية نخبة السلطة وتحرم على الرعية.. وهى الصيغة التى صُكَّت بوضوح عام ١٩٥٦.. ولتصبح هى جوهر وهوية مشروع الستين سنة الباقى.. وليبقى منها الوصاية بغير كفالة.. أو هكذا يراد..!


كان مشروع جمال مشروعاً أيديولوجيا ابن عصره ولذا كان شأنه شأن كل المشروعات الأيديولوجية الأخرى.. تستطيع أن تصمد وتَحُج مجتمعاتها باسم التقدمية والعدالة حتى يثبت أن التقدمية والعدالة ليست كل ما تقدمه.. وإما أن تنكسر أو أن تعدل فى مسارها وتعيد بناء أفكارها..!


ومن أسف أن مشروع جمال الأيديولوجى.. انكسر إثر هزيمة عسكرية.. وقبلها انكسر بمخاصمة عناصره - والتى تجاوزت جمال ذاته - للنقاء الوطنى وبتأصيل ممارسات كسرت نخوة المجتمع وأذلته.. وكان ذلك أخطر ما فى إرثه..!


وإن لم يمهل القدر المشروع - الذى هو جمال ذاته - فرصته ليعيد بناء أفكاره ويمأسسها.. فقد جعل التركةَ محنةَ.. يُختَبر فيها دفاعُنا عن إنسانيتنا أو رغبتنا الطوعية فى التنازل عنها..!


مرة أخرى.. ليس فيما سبق تباكياً أو إصدارا لأحكام تاريخية بتأثيم أو تمجيد شخوص أو مؤسسات.. بقدر ما هو قراءة واجبة للمستقبل من رحم حِكمة التاريخ.. إن لم نفعلها نأثم نحن فى حق بلادنا..!



- ٣ - المحنة..


كان مشروع دولة «ناصر» والذى دُشِنَ فى ١٩٥٦ هو محنة يوليو ١٩٥٢ بقصد أو بغير قصد..!
والذى كما أسلفنا كان هو مشروع الدولة المصرية كما يراها «حلم» جمال رؤية وعقلاً.. أكثر مما تقتضيها طبائع الأمور فى مجتمع تراكم فيه التنوير لمدة مائة سنة سابقة على الأقل على مشروع جمال.. وعن حركة جمال ورفاقه..!


وهى رؤية وإن صحت تبقى خصوصية لحلم «ناصر» ولـ«مصر» التى حكمها حينها فى إقليم وعالم ١٩٥٦.. وهى خصوصية غير قابلة للانتقال أو التوريث أو إعادة الإنتاج.. فلا الرجل بزعامته المستحقة والمتجاوزة للمناصب- حاضرا.. ولا الظروف التاريخية من تراكم طاقة تنوير فى المجتمع المصرى- صامدة.. ولا طبيعة الصراع الدولى على ما كانت عليه ولا أوزان القوى الدولية باقية لم تتغير..!


وهنا جوهر المحنة.. حين بقى مما أُسِسَّ فى ١٩٥٦ على خصوصية علاقة بين طرفين فقط رغبة جامحة فى جعل تلك الخصوصية هى مناط السياسة والحكم ومنطق الوطنية.. فى غياب طرفى تلك العلاقة.. وحضور بعض من مسوخ تنتحل صفتيهما..!


غاب طرفا تلك المعادلة الخاصة التى صنعت دولة ١٩٥٦.. لأن وهج حضور طرفها الأول وهو «جمال» كان مؤسطراً فى وجدان الناس أكثر من كونه حقيقة.. ولأن الناس ذاتها قد طالها تغيير عميق فلم تصبح هى ما كانت عليه عام ١٩٥٦.. نضجت بالرغم من أنوفها.. ولا تستطيع أن تنتكس حتى وإن أرادت..!


لم يعدم مشروع ١٩٥٦ إيماناً خالصاً من صاحبه بالعدالة الاجتماعية ومناصرة الفقراء.. ولم يعدم رجالاً أكفاء وطنيين مخلصين.. لكن معضلته لم تكن فى نقاء إيمان «ناصر» بالعدالة بثوب اشتراكى.. ولا فى كفاءة رجاله..!


معضلة ذلك المشروع كانت - ومن عجبٍ - فى مخاصمةِ «هُويته» لسبب وجوده.. كانت فى مخاصمة «هويته» لحلم يوليو ١٩٥٢.. كل الحلم إلا قليلاً..!


فلم يكن حلم يوليو ١٩٥٢ الذى شُرعنت على أساسه حركة الضباط الأحرار.. فيه سلطة الفرد المُلهَم.. ولا فيه استقالة أمة من السياسة والحكم..!


لم يكن حلم يوليو ١٩٥٢ فيه تكريس للحرام سياسيا من كُفرٍ بمعنى الدساتير واستباحة القانون والاستهانة بالعدالة.. والتى كانت تجلياتها هى السمة الأساسية لمجتمع الستين عاماً الماضية..!


وكيف يكون ذلك و ١٩٥٢ هى الثورة التى انقلبت على ملك ونخبة سياسية كانت لا تعطى للدستور قيمة بأكثر من قيمة الحبر الذى كتب به..!


وكيف يكون ذلك وهى الأمة التى قبلت بتلك الحركة وأسبغت عليها روح ثورة من أجل استعادة عصمة الحكم للأمة.. والذى استأثر به القصر والمحتل وصفقات الساسة..!


فقد بنى جوهر ذلك المشروع.. على كون الشعوب رعايا سلطة لا شركاء حكم.. وعلى كون استقامة الشخوص أخلاقياً ومادياً تغنى عن أهلية الممارسة السياسية واستقامتها.. وأن الثقة فى خنوع الموظف العام لرأس السلطة أجدى من الثقة فى كفاءته.. وأن تابعاً مغيباً أأمن من شريك واعٍ!
ولم يكن فى ذلك من جوهر حلم يوليو شىء..!


وإن كان من درس لتلك المحنة الممتدة.. فهو أن فى حكم الشعوب وبناء الأمم.. لن تغنى كفاءة الشخوص واستقامتهم عن ضلال الهوية وانحراف التوجه.. هذا إن حضرت الكفاءة والاستقامة بالأساس..!



-٤ - قصة تَعسُفيَن..


ولم يكن هذا المشروع ومحنتنا فيه ليأتى على النحو الذى كان فى الستين سنة الماضية لولا أنّا دَشنّاه نحن - أبناء هذا الوطن - بـ«سوء الجزع» قبل أن يدَشَنه القائمون عليها بـ«سوء الأثرة».. حتى وإن رفضناه بعقولنا وتمردنا عليه مرات.. وصدمتنا لحظات الحقيقة مرات ومرات.. إلا أننا بضرب من جنون أبقيناه وحميناه بذات الممارسة..!


وتلك هى قصة تعسفين خنقا مصر أو كادا يخنقاها.. فإن لم تكن الأثرة تعسفاً فى استخدام «السلطة».. فماذا يكون التعسف إذاً..!


ولو لم يكن التفريط فى الحق أو استدعاء ما ليس منه.. تعسفاً فى استخدام «الحق»“.. فماذا يكون التعسف..!


فحتى سنين المثالية والبحث عن المستقبل.. كانت وبامتياز سنين سوء أثرة وسوء جزع..!


فو إن كانت سنين الإقبال على تحقيق أحلام الفقراء والمنسحقين فى المساواة.. فقد كانت.. ولكن بالترقى والتشفى فى آن واحد..!


وإن كانت سنين ادعاء تطهير الحياة السياسية وإعادة الجدية لها.. فكانت بظل القانون.. وكانت أكثر بسيف الانتقام المبطن وبالرغبة فى شيوع القهر وإعادة تدوير الظلم والتساوى فيه أكثر من استحضار جوهر العدل بما فى حقيقته من تفاوت واختلاف..!


وإن كانت سنين الإصلاح الزراعى - المبدأ الغائب وفلسفة العدل المراوغة فى الملكية الزراعية - فقد حضر قانونها ومراسمها وبهجة إنفاذها.. وغاب عنها أى إصلاح حقيقى لأحوال الفلاحين أو للزراعة كقطاع اقتصادى..!


وإن كانت سنين نقمة معلنة على ممارسات الملكية فى حق الهيئات القضائية ومنظومة العدالة.. ومحاولاته وحكوماته التحرش بها كما كان يراد لمجلس الدولة.. كانت سنين استُنَّ فيها إهدار جوهر القانون.. وإراقة كرامة ظاهرة.. فمن الاعتداء على عبد الرزاق السنهورى فى مجلس الدولة من قبل مجموعة من الغوغاء برعاية ومباركة السلطة النافذة.. إلى ممارسات ثورية تَدّعى العدالة الناجزة.. كلجان تصفية الإقطاع.. حيث حضرت فى أغلبها روح الانتقام وأضحت أرضية لخلق إقطاع جديد.. إلى مذبحة قضاء وحصار لتسييسه.. إلى تضييع لجوهر العدل فى عنت الإجراءات..!


وكما كانت سنين حصاد الثبات على مبادئ الوطنية.. فقد كانت سنين ضيعت فيها ثوابت باسم ثوابت أخرى.. ففى معرض التفاوض على ثابت الجلاء حتى وإن بدا فى بعض بنود اتفاقيته تنازلاً متفهما.. كانت ثابت وحدة الأرض فى الوادى يبدد.. والسودان ينفصل لتبدأ سلسلة لا نهائية من التشظى والتحلل لوادى النيل وانكشاف للأمن القومى المصرى.. لن يكون آخرها انفصال جنوب السودان ولكن بقية تجهز وستأتى..!


كانت سنين إساءة الجزع من الشعب حتى فى حق نفسه.. فهو الشعب الذى قابل إساءة الأثرة فى العهد الملكى بإنكار تراكم التنوير ورجاله ونجاحات كان الشعب هو صاحبها.. فبدلا من ترشيد السيولة السياسية..هرع الشعب إلى المنتهى فقبل بتجفيف السياسة..!


وتململاً من تعددية أُسئ استخدامها فى سياسة ما قبل ١٩٥٢.. هرول الشعب لقبول الصوت الواحد والفكر الواحد.. وبارك الفاشية الناعمة باسم الاتحاد والنظام والعمل.. وهى الفاشية التى لم يكن العالم قد سلم من آثارها إلا بنهاية مأساة إنسانية انتهت قبل ذلك بسبع سنوات فقط..!


كانت سنين غض المصريون فيها الطرف عن الجحود وباركوا الأثرة.. فبعد أن كان محمد نجيب ملء السمع والبصر.. يملك على المصريين عقولهم وقلوبهم باستقامته ووطنيته وتضحية كاد يدفع حياته ثمناً لها.. غض المصريون الطرف عن التنكيل بالرجل.. واستناموا أو التهوا فى مشروع بدا لهم فيه من أحلامهم.. وكأنهم جعلوا من الجحود فضيلة.. وكأنهم يدفعون ثمن ذلك لعنة لم تزل..!



-٥ - الهوية.. مرة أخرى وليست أخيرة..
لم يعدم مشروع دولة ١٩٥٦ رجالاً أكفاء ومستقيمى النوايا.. كأمثال محمد فائق وعزيز صدقى وسيد مرعى ومحمود يونس.. ولا طاقات إنسانية متفردة كثروت عكاشة وخالد محيى الدين.. ولا عقليات سياسية عميقة كالسادات وهيكل.. ولا عقليات قانونية متفردة أسست لها بقصد أو بغيره كعبد الرزاق السنهورى وسليمان حافظ.. ولا من باركوا طريقها من أعلام فكر كـ«طه حسين» و«الحكيم» وغيرهما.. ولكن معضلته كانت فى هويته..!


فقد كانت الهوية.. هى استقالة أمة من واجبها التاريخى فى أن تنضج لتحكم نفسها بآليات عصرها.. وأن تتحمل مسؤوليات الحرية أكثر من كونها تستمتع بها.. وأن تشغف بالعدل وتذود عنه.. والذى بغيره تزرع فى غير أرض وتبنى على غير أساس.. إيماناً بضرورته أكثر من كونها محبة للقيم العليا..!


كانت هوية المشروع قائمة على أن ينتكس كبيرٌ.. وهو «الأمة المصرية».. فى تنازل إنسانى قاتل.. وبأن تتقزم أمام من على رأس سلطتها..!


وكان ذلك هو عين التكاذب.. بأن تتوهم أمة بأن رأس سلطتها.. مهما علا قدره بحق وصلحت نواياه بحق وتفرد عقله بحق.. أكبر منها.. وبأن قدراته تتسع لاستيعاب طوفان احتياجاتها الإنسانية المركبة والتى تنضج كل ثانية لا كل يوم..!


كانت تلك الهوية لدولة ١٩٥٦ ومحنتها ومحنتنا معها.. فى مقابل مشروع هندى بدأ بكاريزما
«نهرو» وفى ظل مآثر «غاندى»..!


ولكن الهند وَعت أنه مهما قدست غاندى وأقرت لخلفه بالورع الوطنى.. فالأمة الهندية أكبر من «نهرو» ومن «غاندى».. فكان المشروع الهندى هو مأسسةَ كاريزما «نهرو».. لا الانسحاق لها كما حدث فى المشروع المصرى..!


فصارت تلك المؤسسة التى خلقها نهرو.. ديمقراطية هندية هى الأكبر فى الدنيا.. لا تخلو من مثالب وفساد ولكن فى المحصلة التاريخية.. قدمت للهند وللعالم قوة عظمى نووية وفضائية يحجز لها موقع بين لاعبى الجيواستراتيجيا فى القرن الواحد والعشرين.. فى حين أن حصاد مشروع مصر فى التماهى العاطفى والانسحاق للفرد.. حصاده هو ذلك الحصاد المُر الذى لا تخطئه عين.. والذى نحياه مسخاً كل ثانية الآن..!


قد يقول قائل.. غادرنا عبد الناصر منذ قرابة خمسين عاماً من تلك الستين.. فكيف يبقى المشروع مُدبجاً باسمه..!


وفى ذلك شاهد آخر على إساءة الجزع..!


شاهدى هو أن الجزع المصرى عامى ٢٠١١ و ٢٠١٣ لم يرض أن يستحضر من ناصر ما كان يحلم به الرجل وكل المصريين قبل قيام حركة الضباط وفى سنين الثورة الأولى.. ولكنه استحضر من ناصر.. هوية الأثرة والانسحاق للفرد.. بما فى ذلك من ظلم تاريخى بل إهانة لمصر قبل الرجل..!


وكأن التكاذب أصاب حتى الحلم.. أمة تكذب فى حلمها..!



-٦- الخروج..


جاءت ثورة يوليو ١٩٥٢.. وصنفنا آفات المجتمع المصرى بـأنها «الفقر والجهل والمرض»..
غادرتنا نكسة ٦٧ وانتصار ٧٣.. وقد صارت آفاتنا «الفقر والمرض والجهل والادعاء»..
جاءت ثورة يناير ٢٠١١.. وإذا بنا نعرف أن «الجهل والادعاء» قد أورثانا «المسخ»..!


ولا خروج من محنة الستين سنة إلا بأن نغادر الادعاء ونكفر به.. ونكف عن التكاذب..!


فدولة «ناصر ١٩٥٦» ومشروعه هى خصوصية ناصر ابن لحظته وطبيعة إقليمه وتناقضات عالمه..!


وخصوصية مجتمع مصرى حضر حينها كان فيه إقدام على التنوير.. ونخوة إنسانية.. وقدرة على الوقوف مع البشر على قدم تساو فى صراع رقى.. وكان فيه طاقات إنسانية ولدت فى مجتمع منفتح تدافع فيه الفكر، يسبق يوليو ١٩٥٢ بأربعين سنة على الأقل.. مجتمع لم يكن منتكساً راغباً فى الانكفاء على نفسه.. كما فعلت به السنون الستون..!


ورغم استقامة صاحب المشروع وكبرياء زعامته الحقيقية المتجذرة فى وجدان المجتمع الذى لم يساوره أدنى شك فى أن يتنازع فيها.. لاعتراف عدوه قبل صديقه بعنفوان تلك الزعامة.. ورغم كفاءة كوادر مشروعه.. ورغم فتوة المجتمع وإقدامه على التواجد فى صراع الأمم الحية.. لم يشفع ذلك كله.. لأن المحصلة كانت ورغم صلاح تلك المقدمات - بمأساة فساد الهوية - ظالمة لمصر وعالمها العربى ولحلم صاحب المشروع قبلهما..!


كانت المحصلة هى تكريس نوع من المساواة فى القهر.. أكثر من الانتصار للعدل..!


كانت إهداراً لقيمة العلم.. واحتكارا للوطنية.. وخلقا لإقطاع مؤسسى وثقافة مماليك..!


كانت شرعنة لـ«الغلظة» والتشدد من أجل سطوة السلطة ومجدها.. ولـ«التحلل» فى كبرياء الوطن وكرامة المواطن..!


كانت يوليو ١٩٥٢ لحظة نورانية.. بمثل ما كانت يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣..!


وإن لم تعدم مصر اللحظات النورانية الحقة فى تاريخها.. ولا الميل إلى السلوك المثالى الملائكى أو على الأقل التوق له وتمثله حتى وإن كان مُدّعىً.. ولكن فى حال صدق ذلك كله كانت العاطفة - وبعض الهوى - هى محركه.. لم يكن للعقل والمنطق ولا لحظهما الواجب نصيب..!


ويبقى الصادم.. والذى يدمى القلوب.. كيف تتسرب اللحظات النورانية بين يدى مصر.. فلا تصيب منها إلا وهج اللحظة.. والذى ما تلبث أن تدفع ثمنه معاناة وتدهوراً..!


وكأن مصر فى كل مرة تُعاقب على حلمها بإنسانيتها..!


فكل لحظة نورانية مصرية.. جاءت كنهر رائق استجمع نقاء الكمال والمثالية.. ولكن سرعان ما يكون انقلابه وغضبته فيضانا أهوج بلا عقل يدمر ولا يعقل..!


ولا يعرف مساراً لما بعد دماره ولا يأبه بمسار ما بعد دماره فيستكين إلى «المألوف والمتاح» من مسارات قديمة.. ويعوج عن مسار جديد «مطلوب أو واجب».. ويزعم بأن السريان حتى وإن كان فى غير المسار المطلوب يبقى سرياناً..!


لا مستقبل إلا فى سياق «المطلوب والواجب».. أما «المألوف والمتاح» فلن يُفضى إلا إلى مسخ الماضى..!


ومصر لم تعد تقبل.. ولن تقدر حتى وإن قبلت.. أن تُحيى مسوخاً أو تحيا بهم..!


آن لمصر أن تعرف أن الأوطان أكبر من حكامها ومحكوميها.. ولا جدوى فى صرف الجهد لتقزيم وطن لكى يكافئ تراجعنا..!


آن لنا أن نحاول أن نعلو لقدرها.. لا أن نتكاذب باسمها.. فـ «ستون سنة» تكفى وزيادة..!


فَكِّرُوا تَصِحُّوا..!


اللهم وفقنا جميعاً إلى كل الخير
مستر أشرف فوده

الفارس الأشرف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-23-2016, 10:24 AM
  #2
 الصورة الرمزية الفارس الأشرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: مصر-القاهره
العمر: 36
المشاركات: 164,121
افتراضي رد: يستشرف المستقبل بقراءة فى التاريخ ستون سنه 2016 مقاله بقلم مصطفى حجازى


You’ re Welcome
Good Bye and Good Luck
Mr. Ashraf Fouda
الفارس الأشرف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-23-2016, 10:24 AM
  #3
 الصورة الرمزية الفارس الأشرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: مصر-القاهره
العمر: 36
المشاركات: 164,121
افتراضي رد: يستشرف المستقبل بقراءة فى التاريخ ستون سنه 2016 مقاله بقلم مصطفى حجازى

الفارس الأشرف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد  إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2016, مصطفى, مقاله, المستقبل, التاريخ, بقلم, بقراءة, حجازى, يستشرف, ستون, سنه, فى


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قبل فخ الإستفتاء على الدستور 2012 مقاله بقلم مصطفى النجار الفارس الأشرف إبداعات بأقلام كتابنا 4 01-27-2023 12:44 AM
كن يوسف هذا العصر 2022 مقاله بقلم مصطفى فرغلى الفارس الأشرف إبداعات بأقلام كتابنا 2 05-22-2022 11:28 PM
ظلمنا الحكومه 2016 مقاله بقلم طه عمر محمد الفارس الأشرف إبداعات بأقلام كتابنا 2 03-31-2017 11:37 PM
جيش مصر شعب مصر 2016 مقاله بقلم فاطمه ناعوت الفارس الأشرف إبداعات بأقلام كتابنا 2 07-23-2016 10:46 AM
مصر فى الخلاط 2013 مقاله بقلم مصطفى فهمى الفارس الأشرف إبداعات بأقلام كتابنا 4 03-22-2013 07:13 AM

RSS 2.0 RSS XML MAP HTML Sitemap
بوابة الأشرف التعليمية


Loading...





Powered by alashrafedu® Copyright ©2000 - 2018, Jelsoft Enterprises Ltd.